اكتشاف خطير!

تقلّبات غير معتادة على الطقس المعتاد

ملاحظة: هذه التدوينة الثانية من سلسلة من ثلاث تدوينات

أكتب بعد إنهائي للمرّة الثانية قراءة رواية "لغز الكاريبي" والتي قرأتها سابقًا في 2010، وعُدت للرواية التي بدأتها في العيد "انتقام العدالة" والتي كنت قد قرأتها للمرّة الأولى في 2007...

ما الذي اكتشفته حتى الآن -سوى "جريمة العيد"

اكتشفت أنّني فتحتُ بابًا صعبٌ إغلاقه...تتبّع الشخصيّات بين الروايتين أمرٌ شديدٌ إغراؤه عندي، وما أشدّ الانضباط على النفس خصوصًا عند وجود المغريات...اخترتُ شخصيّة واحدةً لتتبّعها  "السيّد رافائيل"

اتساق الشخصيّة

عدت لأتعرّف على السيّد رفائيل في ظهوره الأوّل في رواية  "لغز الكاريبي". الشخصيّة متّسقةٌ بشكل مُلفت وتبقى متماسكة رغم مرور حوالي 7 سنوات بين تاريخ تأليف الروايتين، وكذلك تأليفها لستّة روايات أخرى بينهما!

من هو السيّد رافائيل؟

’...فاحش الثراء...ولقد كان مصاب بشلل نصفيّ، وكان يبدو وكأنّه طائرٌ عجوز مجعّد الوجه، وقد تهدّلت ملابسه فوق جسده المنكمش. كان يبدو وكأنّه في السبعين أو الثمانين أو ربما التسعين من عمره. وكان يملؤ عينيه عنفٌ عارم، وكان يبدو فظًا في أحيان كثيرة...‘

’وكانت متعته الأساسيّة في الحياة أن يختلف مع أيّ شيءٍ قاله أي شخصٍ بشدّة‘، ويقول زاعمًا ’أنا أعرف ما أقوله!‘ و’لقد كان مشغولًا بنفسه طالما لم يتم تجاهله‘، وهو يُعبّر عن نفسه بوضوحٍ شديد دون مراعاة مشاعر الآخرين كالآنسة ماربل فيصرّح: ’لا تعودي للحياكة مرّة أخرى، أنا لا أستطيع تحمّل ذلك. أكره النساء حينما يفعلن ذلك. إنّ ذلك يزعجني‘ وتتقبّل الآنسة ماربل هذا التعليق وتُعيد غزلها إلى حقيبتها بمنتهى الصبر وهي تتعامل معه كمن يتعامل مع مريضٍ مشاكس.

’...لقد ثابر على القيام بأعماله على أحسن وجه حتى يوم وفاته، وكان ذا عقليّة ماليّة رائعة…‘و’...كان يستمتع به أشدّ الاستمتاع، والاستثمار وجمع الأموال وتحقيق إنجازات تجاريّة غير متوقعّة.‘ وكان ’...رجلاً يضع الخطط، يضعها بالطريقة ذاتها التي كان يخطط فيها لعمل الصفقات الماليّة‘، وهو ’...يستطيع معالجة مشكلاته بنفسه في العادة وكان يُصرّ على ذلك…‘

ورغم أنّ السيّد رافائيل ينصح بأنّ المرّء ’لا يجب أن يثق في أحد‘ فلا يعني ذلك عندَه أنّه لا ينبغي له مساعدتهم فهو يتحدّث عن الشخص ذاته الذي لا يُريد الوثوق به ويُصرّح  ’لقد جعلت من نفسي مسؤولًا عن مصرفات ابنتها المدرسية…‘

وتختصر الآنسة ماربل وصف شخصيّة السيّد رافائيل ’أنّ السيّد رافائيل شخص مميّز‘ وعندما يسألها بشكل مباشر عن معنى قولها تُجيب [أنت قادرٌ على] أن تصبح فظًّا إذا أردت أن تكون كذلك‘

تشات جي بي تي أنتج الصورة بعد أن أعطيتُه الوصف
تشات جي بي تي أنتج الصورة بعد أن أعطيتُه الوصف

كيف يرى الناس السيّد رفائيل؟

’..إنّه لم يكن دائمًا رجلاً لطيفًا بشكل خاص…إنّه لم يكن يأبه أحيانًا لمشاعر الناس‘

ورغم كلّ هذه الصفات المنفّرة إلّا أنّ الناس ’نادرًا ما كانوا يتأذّون من سلوكه...ربما بسببٍ من شخصيّته القويّة التي تجعلك مذهولًا…‘، ويقولون عنه: ’...ولكنّه كان صديقًا طيبًا ويوجد في داخله عطفٌ عميق كان حريصًا جدًا أن لا يُظهره إلى السطح‘

والناس حوله يعرفون ’أنّ كلام السيد رافائيل كان أسوأ كثيرًا من أفعاله..‘ وتجدُ أغاثا ما يدفعه لذلك دون أن تبرّر له ’لقد كان الرجل يعاني من آلام مستمرّة، وكان إلقاؤه تلك التعليقات اللاذعة هو مجرّد أداة تنفيس عمّا بداخله من آلام ومتاعب ومهما كان يقول فقد كانت إيستر [سكرتيرته] تتحمّله ولا يهتزّ لها جفن‘وهي التي تتحدّث عنه فتقول: ’...كان يُمثّل تحدّيًا لي، كان يصعب التعايش معه ولذلك استمتع في إدارة شؤونه‘، وتعلّق أغاثا ’...لأنّ الناس نادرًا ما تمتعض من أسلوب السيّد رافائيل المتسلّط في ممارسة أعماله. لقد كانت له شخصيّة متفرّدة، وكان الناس يقبلونه كما هو...‘!

مدى إدراك السيّد رافائيل لتحيّزاته و مواهبه؟

لدى السيّد رافائيل قدرة على الفصل بين تحيّزاته وبين الوقائع، فهو يقول: ’لا أطيق هذا الفتى. ولكن هذا لا يجعل منه قاتلاً‘،وهو شديد الاعتداد بمواهبه ’بالتأكيد أمتلك عقلاً ذكيًّا. وأتمتّع بأكبر قدر من الأفكار الذكيّة التي تفوق ما لدى أي شخصٍ آخر في هذا المكان‘!

هل تُميّز تحيّزاتك عزيزي القارئ؟ وهل لديك هذه الثقة "المتواضعة"؟

ولا يتوانى أن يُظهر مواهبه مع إدراكه لمواهب الآخرين، فيقول للآنسة ماربل: ’إنّ مشكلتك هي أنّك يقظة الضمير خطأ فظيع! اعقدي عزمك ولا تترددي…وذلك لأنّ حكم المرء يكون صائبًا تسع مرّات من بين عشرة…‘

وهو ما يزال يُخاطر رغم تقدّمه في العمر فهذه موهبته التي اعتادها: ’...أعتقد أنّني أقوم بأكبر مخاطرة في حياتي، ولكنّها لن تكون المرّة الأولى…‘

وهو يتواضع أيضًا عندما تُحاضره الآنسة ماربل ’بالتأكيد، لديك رغبة عظيمة في الحياة‘ ويستمع إلى إسهابها في فلسفة الحياة والموت: ’...تستحقّ الحياة أن نحياها، تُصبح أكثر جاذبيّة عندما تكون قريبًا من أن تخسرها. ربما لا يجب أن يكون الأمر كهذا، ولكنّه كذلك!...عندما تكون شابًا وقويًّا ومفعمًا بالصحّة وتمتدّ الحياة أمام ناظريك، في هذا الوقت لا تكون الحياة مهمّة على الإطلاق. إنّ الشباب هم من يقدمون على الانتحار بسهولة، بسبب من اليأس من الحبّ، وفي بعض الأحيان بسبب مجرّد القلق والحيرة. ولكنّ كبار السنّ هم من يعرفون قيمة الحياة ومدى متعتها‘ (1)

طريقة توظيفه للمواهب

ويفتخر بقدرته على توظيف المواهب: ’...ولقد تعلّمت من خبرتي العمليّة الطويلة جدًا أن أبحث عن ميزة واحدة فيمن أرغب بتوظيفه، تلك هي امتلاكه الموهبة...إنّها ليست معرفة، وليست خبرة. الكلمة الوحيدة التي تصفها هي موهبة، إنّها موهبة طبيعيّة لعمل شيء معيّن‘

وفي حوارٍ عابرٍ مع الآنسة ماربل اتفق معها السيّد رافائيل قائلاً: ’هذا النوع من الأشياء هو ما أفعله ، أن تضعي مواهبك في مواجهة مواهب الآخرين...‘وعرفت الآنسة ماربل أنّه يريد توظيف مواهبها: ’...لذلك فكّر فيّ...‘ ’لقد فكّر بأنّها تمتلك مؤهّلات معيّنة لعمل شيء معيّن، ولمعرفته بها فقد استطاع ’...أن يُثير اهتمامها إلى درجة تجعلها تستمتع بذلك العمل الموكل، لقد قدّم لها المبلغ لكي يأسر اهتمامها وليس من أجل إغرائها...‘

وهو بملاحظته للمواهب يُساعد على توظيفها عند غيره أيضًا: ’واستطاعت أن تُدير الفندق عن طريق مساعدة أحد الأشخاص الذين رشّحهم السيّد رافائيل للقيام بهذا الدور‘ 

لا أخفيكم بأنّ شخصيّة هذا الرجل أًسرتني :)

أزعم أنّي اكتشفت أنّ أغاثا تتعمّق بالشخصيّة وتحلّ خيوط الألغاز عبرها...هل هو حقًّا اكتشاف خطير؟

أنهيت لغز الكاريبي وُثلث انتقام العدالة والتي أشعر بأنّي لا بدّ من العودة لاستكمال متابعة أحداثها...سأعود لإكمالها مع وعدٍ صغيرٍ لنفسي سأعيش الرواية دون توقّعات

ملاحظة: لم أستطع منع نفسي من قطع القراءة لإتمام هذه الكتابة....متحمّسٌ لمتابعة القراءة، ورؤية التدوينة القادمة التي ستصدر عنها!


هامش:

(1) يبدو أنّ مواضيع الحبّ ومضيّ الزمن سيكونان ضمن مواضيع مدوّنات قادمة! 

منذر بدر الحنبلي
منذر بدر الحنبلي

باحث ...بإمكانك أن تراني باحثًا عن قلمي الذي أحبّه من أيّام الابتدائي أو باحثًا عن مفتاح سيّارتي متواصل الضياع أو ربما باحثًا عن موهبة، أو باحثًا عن البحث بحدّ ذاته...