"أكثر الكلمات إخافةً في هذا العالم!"
كيفَ برزَت كلمة "الحبّ" فيي سياق المواهب؟

ملاحظة: هذه التدوينة الثالثة من سلسلة من ثلاث تدوينات
فلأكن شديد الصراحة، انغمست تمامًا في الرواية، لدرجة نسيت معها أنّي أريد أن أكتب عنها…وصراحةٌ أخرى، كأنّ أحداث الرواية تمرّ عليّ للمرّة الأولى! لا أذكر أنّي قرأتها سابقًا...هل مُضيّ ١٨ عامًا سببٌ لذلك؟ المهم... هذه التدوينة الثالثة والأخيرة عن هذه التجربة..
من أين تنبع الحلول؟
فقد قام السيّد رافائيل بتوظيف الآنسة ماربل للقيام بمهمّة لا تعرف تفاصيلها، تخيّل نفسك عزيزي الموظّف تعمل دون وصف وظيفيّ أو أنظمة قياس، مجرّد غاية سامية تسعى إليها! كانت الغاية عند الآنسة ماربل أن تُنفذ وصيّة السيّد رافائيل وتكتشف الحقيقة.
فمن أين ستبدأ؟
تهرب الآنسة ماربل من الاعتماد الكليّ على التحليل المنطقي الذي دَرجَ عليه شارلوك هولمز، وتقول: ’كان ذلك شعورًا ولم يكن استنتاجًا منطقيًا...كان يتركز على ردّ فعلٍ يتعلّق بالحدس...‘ فحدسها كامرأةٍ عجوز سيساعدها في كشف الحقائق التي تغيب عنها. وهي عندما تريد تشجيع نفسها تبدأ بالسؤال الصحيح: ’...لا بدّ أنني أمتلك مؤهلات محددة لأمر محدد‘. فما هي المؤهّلات التي لديها؟ ’...كانت دائمًا تقدر على تحديد وجه التشابه بين الأشخاص الذين تُقابلهم والأشخاص العديدين الذين تعرفهم شخصيًّا...‘، ’وترى التشابه مع أشخاص بعينهم في قريبتها سانت ماري ميد ...‘ وكذلك ’لها قدرة عالية على الإحساس بالشر‘، وتستمرّ في محادثة نفسها فتكتشف: ’أحيانًا أفكّر تفكيرًا سليمًا وأعرف طبائع الناس، أقصد أنّني أعرف طبائع الناس لأنّهم يذكّرونني بأناس آخرين معينين ممن عرفتهم، وبذلك أعرفُ بعض عيوبهم وبعض حسناتهم وأعرف أيّ نوع من الناس هم. هذه ميزة أخرى‘
لقد بدأَتْ بالحلّ مما تملكه ومتوفرٌ لديها، لا مما ينقصها
والآنسة ماربل تستمدّ قوّتها مما يراه الآخرون ضعفًا! ’فكّرت في نفسها بتواضع. إنّها امرأة فضوليّة تسأل الأسئلة، إنّها كأترابها من النساء المسنّات اللاتي يُتوقّع منهنّ توجيه الأسئلة‘ وهي ’...سيّدة مسنّة ذات طبيعة فضوليّة وتطفليّة، تتحدّث كثيرًا ولها رغبة في اكتشاف الأمور، ومع ذلك يبدو الأمر طبيعيًّا للغاية....عجوز ثرثارة...نعم معروف عنّي أنّني عجوز ثرثارة‘
محدوديّة قدراتها
وهي تعرف متى ينتهي دورها لتفوّض الآخرين: ’...لقد فعلتُ كلّ ما بوسعي، أفضل شيء وفق إمكاناتي، ولا بد أن أترك الأمر لكَ الآن..‘ وتقول في مكانٍ آخر ’أظن أنني عرفت شيئًا لكن يجب أن أتحقق منه هناك أشياء معيّنة لا أستطيع عملها بنفسي، وأظنّ أنك ستساعدني في علمها...‘
ويتجلّى نفس المفهوم كأجمل ما يكون عندما ’...أطفأت النور، ثم دعت ربّها في الظلام، لا يستطيع المرء أن يفعل كلّ شيءٍ بنفسه. يجب أن يجد المرء مساعدة‘
نحتٌ يُبرزُ الجمال لا عُقد طفولة وصدمات!
ولديها القدرة لترى الفرَص في كلّ التحدّيات دون الركون إلى مبرّرات: ’...إن كُنت تتوقّع منّي أن أشعر بالتعاطف والأسف وأنسب الأمر إلى الطفولة البائسة وألوم البيئة السيئة، وإن كنت تتوقع منّي أن أبكي عليه فإنني لا أميل إلى الشعور بمثل هذه الأمور تجاه هذا القاتل الصغير. أنا لا أحبّ الأشرار الذين يقومون بالأعمال الشريرة‘
ويؤكّد ذلك البروفسيور وانستيد الطبيب النفسانيّ: ’لا يمكنك أن تصدّقي ما أعانيه في عملي من أناس ينتحبون ويصرّون بأسنانهم وينسبون كلّ شيء إلى أمورٍ حدثت في الماضي. لو علم الناس بالبيئة السيئة التي عاش فيها الناس والقسوة والمصاعب التي واجهتهم في حياتهم، وحقيقة أنّهم مع ذلك خرجوا من تجاربهم مستقيمين شرفاء لما تبنّوا وجهة النظر المضادّة تلك!...‘
ثباتٌ أخلاقيّ، مع تعاطفٍ حقيقيّ!
ورغم ذلك فإنّ الآنسة ماربل عند إيقاعها بالقاتل يُواجهها البروفسور وانستيد الطبيب النفسانيّ بقوله: ’كأنّك تشعرين بالأسف على القاتل أكثر من أسفك على الفتاة التي ماتت‘ تقول مدافعة: ’لا، إنّه نوع مختلفٌ من الأسف. أنا آسفة على ما حدث للفتاة لكنّها لم تواجه المعاناة التي أصابت القاتل: الأسف والبؤس والخوف والشرّ المتنامي...كان على القاتل أن يعيش مع كلّ هذه الأشياء، الأسف والحبّ المحبَط الذي لن يستعيده أبدًا ...‘
ويقول البروفسور وانستيد ’...لقد وصلتُ إلى سنّ أعرف فيه أنّ المرء يجب أن يقبل غيره من البشر كما هم عليه ويقبل صفاتهم الخُلقيّة والسلوكية التي وٌلدوا عليها‘
ما هذا المستوى العالي من التعاطف الذي لم يمنعه من التدفّق تجلّي الحقائق والدفاع عنها!
ما علاقة كلّ ذلك بالحبّ؟
ولقد رأيت أنّ الرابط بين القدرة على القبول والتعاطف وبين تقدير المواهب كامنة في القدرة على الحبّ، بكلماتي الشخصيّة عليك أن تُحبّ حتى تتقبّل، وعندما تتقبّل سترى المواهب بارزة، وهذا لا يعني أنّك تتنازل عن معاييرك الأخلاقيّة بأي شكلٍ من الأشكال.
الحبّ الذي يدفعه الحبّ دون انتظارٍ من الآخر، سيكون خاليًا من المرارة
ختامًا
وبعد تبرئة المتّهم وعودته للحياة، تختم الآنسة ماربل الرواية: ’أعتقد أنّه سينجح في حياته، إنّه لا يشعر بمرارةٍ تُفسد حياته وهذا هو أهمّ شيء. لقد عرفتُ جيّدًا لماذا أحبّته تلك الفتاة!‘
عزيزي القارئ الذي وصلتَ معي إلى هنا -أشكرك بدايةً وختامًا لوقتك الكريم وصبرك- أقول لك، ولنفسي قبل ذلك...لا بأس من أن تُفضّل القهوة بمرارتها العالية، ولكنّ الرجاء أن تُبقى المرارة هناك فقط مع تخلّصك منها في سائر جزئيّات حياتك!

باحث ...بإمكانك أن تراني باحثًا عن قلمي الذي أحبّه من أيّام الابتدائي أو باحثًا عن مفتاح سيّارتي متواصل الضياع أو ربما باحثًا عن موهبة، أو باحثًا عن البحث بحدّ ذاته...