جمال زخارفك ونقوشك...

هل هي ندوبٌ من الطفولة تُعاود الظهور؟

كان يا مكان في قديم الزمان في عالمٍ تخيّليّ من عالم الإنسان!

أرّقَ التساؤلُ المهندسَ الاستشاريّ الذي يترددّ على المتحف كلّ يوم كجزءٍ من عمله.

ينظرُ باستغرابٍ مبالغٍ فيه لزواية الزخارف والنقوش، لا يستطيع فهم المسؤول عن ذلك القسم وهو يُكثر من توجيهاته الدقيقة للمختصّين الذين يقومون بتنظيف الزخارف وصيانتها كلّ يوم.

من معرض المصوّر بتير ساندرز في متحف إثراء بعنوان "قبب بمنتهى الجمال" ويُعلّق عليها: ’ثمّة شيء غامضٍ مرتبط بالتحديق بقبب الجمال هذه‘
من معرض المصوّر بتير ساندرز في متحف إثراء بعنوان "قبب بمنتهى الجمال" ويُعلّق عليها: ’ثمّة شيء غامضٍ مرتبط بالتحديق بقبب الجمال هذه‘

المهندس الاستشاريّ لا يعلم عن عالم الفنون سوى اسمه، لم تسرِ تلك القشعريرة يومًا في جسده وهو يتأمّل عملًا فنيَّا كان خلاصة تجارب فنّان، أو عُصارة انتاجٍ جيلٍ بأسره، وهوَ أيضًا لم يستسغ يومًا بيتًا من الشعر اهتزّ له رأسه طربًا أو أفاض الحبّ من قلبه زمنًا، وذلك لا يُقلّل شيئًا من قدراته الهندسيّة التي لا يستغني عنها المتحف يومًا فهوَ مُتقنٌ في صنعته.

ورغم محاولات المهندس الاستشاريّ في الظاهر لفهم السبب الكامن وراء هذا الهدر للموارد وقتًا كانت أم مالاً، إلّا أنّه لم يستطع تقبّل وجهة نظرٍ تُنافي ما نشأ عليه بعيدًا...

"إفريز معماري خشبي من العصر الأندلسي، يتميز بنقوشه البارزة وأهميته التاريخية" معروض في دار كريستيز للمزادات يتراوح سعره ما بين 200 ألف و 300 ألف جنيه استرليني
"إفريز معماري خشبي من العصر الأندلسي، يتميز بنقوشه البارزة وأهميته التاريخية" معروض في دار كريستيز للمزادات يتراوح سعره ما بين 200 ألف و 300 ألف جنيه استرليني

استجمع المستشار شتاتَ قوّته يومًا مستمدًا من خبرته الطويلة في عالم الاستشارات، وقدّم مقترحًا استشاريًّا مميّزًا في نظره، لم يشأ أن يضع تسعيرة مرتفعة حيث أنّه يعرف أنّ الخطوة الأولى لا بدّ أن تكون سهلة على من يتّخذ القرار. بعد تعديل تنسيقٍ سابقٍ لعرضٍ قديمٍ قدّمه فيما مضى لمصنعٍ يُنتج قوالب البلاستيك، وتعديل المسميّات الرئيسيّة في العناوين أرسل عرضه بتواضع الواثق.

وحتى لا أطيل عليك عزيزي القارئ بتفاصيل العرض والذي أسهبَ المستشار في مُقدّمته كثيرًا عن تاريخ الفنون ودورِ المتاحف في تخليد الحياة والتجارب الإنسانيّة وتراكبها عبر الأزمنة...أشار سعادة المستشار -مستمدًا من رغبته بتقليل التكاليف التشغيليّة على إدارة المتحف من جهة وزيادة دخله بأضعاف تلك التكلفة دون أن يقصد من جهةٍ أخرى- أشار إلى ضرورة ملئ تلك الفجوات "Gaps" بين تلك الزخارف والنقوش بمعجونٍ اسمنتيّ مما يُساعد في التخلّص من كُلفة مختصّي صيانة الزخارف والنقوش واستبدالهم بآلات تنظيفٍ ومماسح بتكلفةٍ أقل مرددًا قوله: "It is much more efficient"

أبدَعَ الذكاء الصناعي هذه التحفة الفنّيّة
أبدَعَ الذكاء الصناعي هذه التحفة الفنّيّة

عزيزي القارئ، إن كُنت تتفق مع المستشار في عرضه، فلا تقرأ الفقرة الأخيرة...رغم حرصي عليك.

ويا عزيزي من القسم الثاني من القرّاء! أحُبّ أن أّذكّرك بأنّك قطعةً فنّيّة صنعها الله عزّ وجلّ، وإنّ زخارفك ونقوشك وتلك المسافات الفاصلة بين تكويناتك ليست فجواتٍ ولا ندوبَ طفولة "Trauma"، بل هيَ مزاياك الفرديّة وقُدراتك الكامنة كالنسيج الذي يزداد جماله بين تداخلات الألوان وتشابك الخيوط مع بقاء الفراغات وإن دقّت... وإن فاتتك الصيانة لأزمانٍ خلَت فالوقت وقتُك الآن، ولا تلُقِ باللوم على وجود النقوش وتلك المسافات الفاصلة بينها وإيّاك أن تُحاول طمس معالِمها الجماليّة وإن خَفيت عنك، إنّما وجّه طاقاتك لمعاودة صيانتها ومواصلة حفظها ثم إبراز الكامن من جمالها، ففيها عُلوّك!


ملاحظة: القصّة رمزيّة خياليّة ولم تحدث على أرض الواقع

منذر بدر الحنبلي
منذر بدر الحنبلي

باحث ...بإمكانك أن تراني باحثًا عن قلمي الذي أحبّه من أيّام الابتدائي أو باحثًا عن مفتاح سيّارتي متواصل الضياع أو ربما باحثًا عن موهبة، أو باحثًا عن البحث بحدّ ذاته...